• مقدمة

  • المقدمة: بقلم السيد عبد الصاحب الخوئي - الأمين العام لمؤسسة الإمام الخوئي الخيرية

     

    الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبهم المنتجبين.

     

    بعد الاحداث التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط والعالم الاسلامي عموما، في نهاية السبعينيات وفي عقد الثمانينيات من القرن الماضي، مثل الثورة الاسلامية في ايران والاجتياح السوفياتي لافغانستان والحرب الاهلية اللبنانية والحرب العراقية – الايرانية، ولاحقا الغزو العراقي للكويت، تولدت فكرة انشاء مؤسسة ثقافية خيرية تغطي أكبر مساحة ممكنة لتقديم الخدمات الاجتماعية والدينية للمسلمين عموما، ولأبناء الطائفة الشيعية خاصة، في بلاد الغرب في ذهن الأخ العلامة الشهيد السيد محمد تقي الخوئي (رحمه الله تعالى) "عام 1985م"، حيث قام بعرضها على الوالد المعظم سماحة الإمام الراحل السيد الخوئي (رضوان الله تعالى عليه) زعيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف والمرجع الأعلى للمسلمين الشيعة في العالم آنذاك، الذي وافق عليها وباركها بتوجيهاته القيّمة، ومن ثم وضع الخطوط العريضة لقانونها الاساس ونظامها الداخلي، بعد التشاور مع عدد من أهل الخبرة والاطلاع في هذا المجال، والبحث في العقبات المنظورة والمستقبلية المحتملة، خصوصا وأن الفكرة لم يسبق لها نظير في المرجعيات الدينية السابقة.

     

    وأخذت الفكرة طريقها للتنفيذ في أحلك الظروف التي كانت تمرّ بها مرجعية الإمام الخوئي وكوادرها ووضع العاملين في صفوفها والحوزات العلمية في كل من النجف الاشرف وقم المقدسة، حيث الحرب الطاحنة بين العراق وايران التي استمرت طوال ثماني سنوات، وعلى الرغم من صعوبة تلك المرحلة، فقد تم الاعلان عن تأسيس "مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية"  وإمضائها شرعا من قبل مؤسسها سماحة الإمام الراحل (قده) وتم تسجيلها القانوني في بريطانيا "عام 1989م" بعد فترة وجيزة من ايقاف الحرب. وتأسست الفروع، وفتحت المراكز، وباشرت المؤسسة بتقديم خدماتها، بفضل الرعاية الالهية والعمل الدؤوب للاخوة القائمين عليها.

     

    لقد استطاعت المؤسسة أن تواصل سيرها الحثيث، برغم الادوار والمراحل الصعبة التي مرت بها، من أزمة غزو العراق للكويت "عام 1990م" والانتفاضة الشعبانية المباركة "عام 1991م" واعتقال سماحة الإمام وأسرته ومساعديه، ووضع الحوزة العلمية في النجف الاشرف، الى وفاة سماحته (قده) "عام 1992م" مع عدم وجود رؤية متفق عليها من قبل العلماء حول من يتصدى لسدة المرجعية من بعده، وانقطاع الموارد المالية الاساسية التي كانت ترد للمؤسسة من الحقوق الشرعية، الامر الذي تسبب في إيقاف كثير من المشاريع التي كانت قيد الانشاء، كمشروع بومباي، واسلام آباد، ومونتريال، وديترويت، مضافا الى المواقف السياسية المعادية للمؤسسة من قبل بعض الحكومات وبعض المؤسسات الاخرى أو المواقف الشخصية، حتى إستشهاد الأمين العام الاول السيد محمد تقي الخوئي (قده) "عام 1994م".

     

    وعلى الرغم من كل تلك الصعاب والعقبات الشديدة، فقد استطاعت المؤسسة وبتوفيق عظيم من الله تعالى، أن تستقر وتستمر الى اليوم، معطاءة في جميع مجالات أعمالها وخدماتها ونشاطاتها المتعارفة، كتقديم الخدمات الدينية والاجتماعية من خلال مراكز لندن ومانجستر وسوانزي ونيويورك ومونتريال وباريس وبانكوك وكويتا ولاحقا فتالونغ واسلام آباد ومومباي  في إحياء المناسبات الدينية عموما، وبالخصوص مناسبات شهري محرم وصفر وشهر رمضان المبارك، وذكرى وفيات ومواليد النبي (ص) وأهل بيته الائمة الكرام (ع)، والمناسبات الاسلامية الخالدة والاعياد وغيرها، لمختلف الطبقات والجاليات وبعدة لغات، ودعوة الشخصيات العلمية والسادة العلماء والخطباء والوعاظ، لالقاء الدروس والمحاضرات، التي تعتبر الاوسع نطاقا والاعم والاشمل، كما وكيفا، لأبناء الطائفة في عموم الغرب.

     

    كذلك استمر العمل في واحدة من أهم مجالات خدمة أبناء الجالية الاسلامية في ديار الغرب، من خلال المدارس الاسلامية كمدارس "الإمام الصادق (ع) والزهراء (س)" للبنين والبنات في لندن، ومدرسة "الايمان" في نيويورك، وأضيفت لها لاحقا مدارس "الهدى" في كندا ومدرسة "دار الزهراء (س)" في پتالونغ للحفاظ على اللغة والخلق والتربية والثقافة الاسلامية للاجيال الناشئة، وتطويرها بما يليق من الناحية الادارية والاكاديمية والمالية، لضمان استمراريتها. كما تم افتتاح المشروع التعليمي الكبير في اسلام اباد، والذي يتبع فرع مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية، ذلك هو جامعة "الكوثر" الذي يضم كليات دينية وأكاديمية. هذا مضافا الى استمرار العمل بما يعرف بمدارس "السبت" التي تدرس اللغة العربية والعلوم الاسلامية في كل فروع المؤسسة في انحاء العالم.

     

    كذلك كان للمؤسسة دور بارز بحضورها الفعال في المجالات المختلفة، للتعريف بالاسلام عامة والتشيع تحديدا من خلال التبليغ الديني والعمل على زيادة الوعي الثقافي لأبناء الطائفة، والتعاون والتنسيق مع المراكز والمؤسسات الاسلامية، ومراكز ومؤسسات أتباع أهل البيت بالخصوص، وكذلك بمشاركتها في الندوات الخاصة بالتعريفات الدينية والمذهبية في الجامعات الغربية، مما أعطاها قوة في إثبات دورها وفعاليتها ومصداقيتها واعتدالها.

     

    ولقد كان لاخي العلامة الشهيد السيد عبد المجيد الخوئي (رحمه الله تعالى) الدور الفعال والديناميكي في مد جسور التعاون والثقة مع العديد من المؤسسات العربية والاسلامية والعالمية من خلال توقيع الاتفاقيات المشتركة، وعقد المؤتمرات وكذلك تبادل الزيارات واللقاءات، وفي هذا المجال فقد كان للمؤسسة مشاركتها الفاعلة في إعداد البحوث والدراسات وحضور الندوات والمؤتمرات الاسلامية العامة، وبالخصوص تعاونها الوثيق مع مؤسسة "آل البيت الملكية للفكر الاسلامي" في الاردن، من خلال إقامة عدد من الندوات المهمة للحوار بين المسلمين، والعمل المشترك البناء في مجال التقريب بين وجهات النظر لعلماء المسلمين من المذاهب السبعة (الشيعة الإمامية، والزيدية، والحنفية، والشافعية، والمالكية، والحنبلية، والاباضية) حيث جرى عقد الندوات الثلاث الاولى منها في عمّان، والندوة الرابعة في لندن باستضافة المؤسسة، والخامسة في ضيافة "المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ" في الرباط، والسادسة في ضيافة وزارة الاوقاف والشؤون الدينية في مسقط بسلطنة عمان، وكذلك الحضور والمشاركة في مؤتمرات الحوار الاسلامي-المسيحي، ومؤتمرات حوار الاديان السماوية الثلاثة.

     

    كذلك أثمرت هذه الجهود عن الاتفاق والتوقيع على مجموعة كبيرة من النشاطات التربوية والمهنية وإعداد الدراسات والبحوث وعقد الندوات والمؤتمرات ذات الطابع الثقافي والتربوي الديني في برنامج عمل مفصل استمر لسنوات عدة مع "المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو –"  بالمشاركة المادية والمعنوية والادارية والتنفيذ للمشاريع المتفق عليها بين الطرفين.

     

    كذلك جرى تعزيز التعاون مع مؤسسة الازهر الشريف، حيث استضافت المؤسسة شيخ الازهر الشريف الدكتور محمد سيد طنطاوي، وجرى تنظيم لقاء له في رحابها بالسادة العلماء والمثقفين الشيعة في لندن، وقد كانت تلك المناسبة واحدة من الزيارات التاريخية في مجال التعاون والتنسيق والاعتراف المتبادل مع واحدة من أهم وأقدم المؤسسات الشرعية الاسلامية في العالم، باعتبارها الزيارة الرسمية الاولى لشيخ الازهر الى إحدى المؤسسات والمراكز الدينية الشيعية.

     

      لقد استطاعت المؤسسة خلال فترة السنوات العشر الاولى من نشاطها المتواصل والدؤوب أن تدخل أوسع مجالات العمل الدولي وبثقة عالية في كفاءتها وتقدير عالمي لخدماتها وثقة الاخرين بها، فتم الاعتراف بها كواحدة من المنظمات الدولية غير الحكومية بصفة "مستشار عام" في هيئة الأمم المتحدة في حزيران عام 1998م، وقد حظي قبولها بالاجماع من قبل اللجنة الخاصة المعنية بدراسة الطلبات المقدمة للعضوية، وكان ذلك من الانجازات الكبيرة لمؤسسة اسلامية تمارس عملها في الغرب.

     

    وبرغم الظروف الصعبة التي عانت منها المؤسسة بعد رحيل أمينها العام الثاني الشهيد السيد عبد المجيد الخوئي (قده)، في نيسان 2003م، اثر حادث اغتيال جبان في مدينة النجف الاشرف التي قدم لها كل ما يملك من جهد وطاقة وأمكانيات، فقد استطاعت المؤسسة أن تنهض من تلك الصدمة الكبيرة وان تعيد النشاط الى كثير من المشاريع التي توقفت أو تلكأت نتيجة ظروف مادية أو مشاكل سياسية هنا وهناك.

     

    لقد عملت المؤسسة على مدى سنوات عديدة مضت على ايصال فكر آل البيت عليهم السلام، الى العالم من خلال تزويد الجامعات والمكتبات العامة والمراكز الثقافية، بالكتب المهمة وبالخصوص المصادر الشيعية والاسلامية العامة، منها على سبيل المثال مجموعة كبيرة تضم أهم المصادر الشيعية الى مكتبة "جامعة آل البيت" في الاردن، وهي الجامعة الرسمية العربية الوحيدة ـ بعد الازهر الشريف ـ التي يدرس فيها الفقه والأصول وعقائد المذاهب الاسلامية بما فيها المذهب الجعفري، وكذلك مجموعة كبيرة أرسلت الى مكتبة "جامعة سراييفو" بعدما أحرق الصرب الوحوش مكتبة الجامعة إبان الحرب على ذلك البلد الآمن.

     

    كذلك واصلت المؤسسة نشاطاتها من خلال تعميق التواصل مع بقية المسلمين عموما ومؤسساتهم، برغم اعتزازها بإنتمائها المذهبي. ولقد حظيت المؤسسة على ثقة الاطراف التي تعاملت معها وذلك لتخصصها في النشاطات الدينية والثقافية والخيرية العامة، واستقلاليتها عن الحكومات وعدم تدخلها في المجالات السياسية، وحضورها الفعال بمواقفها المعتدلة، وعملها بالتنسيق مع غيرها من المؤسسات والمراكز وعلماء المسلمين في مجال التقريب بين المذاهب، وتوحيد الصف الاسلامي، ودورها فيما يتعلق بوضع المسلمين وخصوصا في العالم الغربي.

     

    استمرت المؤسسة في مشاريعها بهذا المجال لتكمل الجهود التي سار عليها الشهيد السيد عبد المجيد الخوئي (قده) والتي تمثلت في مؤتمر وضع إستراتيجية دولية للتقريب بين المذاهب الاسلامية، والذي انعقد في دمشق بحضور ومشاركة كبريات المؤسسات والمنظمات والمراكز الدينية ودور الافتاء والشخصيات من أئمة المذاهب من مختلف أرجاء العالم الاسلامي، وفي مقدمتها الازهر الشريف، ورابطة العالم الاسلامي، ودور الافتاء العام في عُمان وعمّان ودمشق ولبنان واليمن وإيران وأفغانستان والامارات العربية المتحدة، ودار الحديث الحسنية في الرباط، والايسيسكو، وكثير من الشخصيات، وعلماء من أكثر من عشرين دولة إسلامية. وكان مؤتمر اعلان "رسالة عمان" في العام 2005، استكمالا لهذه المسيرة التي مضت عليها المؤسسة.

     

    كما عززت المؤسسة مكانتها الطيبة لدى الاوساط والمؤسسات الاوروبية والامريكية المعنية بالوضع الاسلامي، وفي الدوائر الرسمية أو المعاهد والجامعات، بسبب انفتاحها الملتزم، وبرنامج عملها الثقافي الخيري، وتركيبها الاداري والمالي والقانوني والشرعي الواضح والصريح. لذلك أصبحت المؤسسة – ولله الحمد – في مقدمة الهيئات والمراكز الخدماتية الاجتماعية والثقافية الاسلامية القادرة على خدمة المسلمين عموما، وقد انفتحت ببركة الله تعالى أمامها الكثير من آفاق العمل، وتطلعت اليها عيون العديد من مثقفي أبناء الجاليات الاسلامية ومنظماتهم، وبالخصوص أتباع أئمة أهل البيت (ع) وتعاون الكثيرين منهم معنا في تقديم المقترحات، وفي إعداد الدراسات والبحوث، وفي العمل لتنظيم النشاطات المتعددة، والتمثيل والحضور والمشاركة في اللقاءات والندوات وغيرها من أوجه التعاون.

     

    وعلى الصعيد العلمي، استطاعت المؤسسة أن تستكمل مشاريع كبرى كانت قد بدأتها في باكستان تأسيس "جامعة الكوثر" ومدرسة "الزهراء (ع)" في تايلند وكذلك يجري العمل على استكمال مشاريع أخرى في الهند. كما تطور العمل في الفروع الاخرى كما هو الحال في فروع باريس ومونتريال في كندا، متزامنا مع تطوير مكاتب ومجالات عمل جديدة في المركز الرئيس في لندن كما هو الحال على صعيد افتتاح مركز الدراسات الاكاديمية الشيعية كاطار بحثي اكاديمي متخصص. كذلك التنسيق على مستوى عمل المراكز الاسلامية في عموم بريطانيا من خلال "المجلس الإستشاري الوطني للأئمة والمساجد – ميناب –" وكذلك تطوير بعض المشاريع الاجتماعية الانسانية من قبيل "مشروع الكوثر لدعم الارامل والايتام" في العراق، اضافة الى جوانب ونشاطات عديدة أخرى.

     

    ومع ذلك فقد واصلت المؤسسة نشاطاتها ذات الوجوه المتعددة، ومنها:

    ١- الحضور العام في المحافل الرسمية وشبه الرسمية، وتمثيل الشيعة أو التعبير عن صوت أو موقف أساسي لهم، على المستوى العلمي في الاكاديميات من خلال توفير الابحاث وتقديم الدراسات المعنية بالشيعة، من قبيل مؤتمرات الجامعات العالمية ، ومؤتمرات الأمم المتحدة، ومنظمة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة في جنيف ومراكز البحوث الاسلامية في الجامعات المختلفة.

    ٢- العمل على المستوى الاعلامي من خلال توفير المنابر اللازمة لها، لتعميق روح التفاهم والحوار الثقافي في مجالاتها المختلفة، ومن خلال المداخلات اللازمة لبيان الموقف الصحيح، أو لتصحيح بعض الصور والتصورات غير الدقيقة حول المسلمين الشيعة.

    ٣- الاتصال ببعض الحكومات والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الدولية المتخصصة، في المسائل الشيعية، أو الاسلامية، والمنظمات الانسانية عموما.

    ٤- السعي لجمع وتوثيق وتدوين المعلومات البيانية العامة  والخاصة عن أوضاع المسلمين الشيعة في مختلف المناطق، والتعاون مع المنظمات العاملة في مجال حقوق الانسان، ومؤسسات الامم المتحدة.

    ٥- دعم مشاريع الاخرين المعنية بالاسلام والتشيع، من خلال التعاون في الانجاز، والتعريف بها، والدعم الاعلامي والتحليلي، والميداني والتنسيقي، وأحيانا الدعم المادي والبشري لذلك.

    ٦- التعاون في تقديم الخدمات الادارية والقانونية للجالية الاسلامية المهاجرة للغرب، والمساهمة مع الحكومات المعنية في تسهيل مهماتهم ومعاملاتهم القانونية ولاقامة أفضل العلاقات المحلية الممكنة مع الاخرين.

     

    وأود أن اسجل هنا خالص شكري وامتناني البالغ لجميع المؤسسات والمراكز العلمية والدينية والخدمية والشخصيات التي تعاونت معنا في رفد هذه المسيرة، وبالخصوص الاخوة والاخوات الزملاء في جميع المكاتب والفروع والمراكز التابعة للمؤسسة وفي مقدمتهم إخواني أعضاء الهيئة المركزية، وكذلك جميع من عملوا معنا سابقا أو ما زالوا معنا في هذا الطريق.

     

    سائلا المولى العلي القدير أن يوفقنا وجميع العاملين لاعلاء كلمة الحق وخدمة الانسانية، وأن يهدينا لمراضيه والالتزام بهدي نبيه الكريم ونهج أهل بيته الأئمة المعصومين، إنه نعم المولى ونعم النصير.